Menu

قمة البحرين  العربية  : محطة  للتآمر على القضية والمقاومة الفلسطينية

عليان عليان



القمة العربية التي التأمت في  العاصمة البحرينية المنامة ، في السادس عشر من شهر مايو (أيار ) الجاري ، تعاملت مع العدوان الصهيو أميركي  على قطاع غزة  ، وكأنها  قمة لا تنتمي للعروبة بصلة ، ولا تنتمي لجذر القمم العربية التي أرساها خالد الذكر جمال عبد الناصر  في أول مؤتمر للقمة في القاهرة  بتاريخ 23 كانون أول( ديسمبر) عام 1963، وفي مؤتمر القمة الثاني في الإسكندرية بتاريخ 15 كانون ثاني (يناير)  1964، اللذان نجم عنهما تشكيل كيان فلسطيني ( منظمة التحرير الفلسطينية) لإبراز الهوية الفلسطينية وفق استراتيجية التحرير ممثلةً بالميثاق القومي الفلسطيني ، ومواجهة أخطار تحويل الكيان الصهيوني  لنهر الأردن  بمشروع عربي مضاد يقوم على تحويل روافد الأردن من منابعها،  إلى نهر اليرموك من خلال الأراضي السورية ، وتشكيل قيادة عسكرية عربية موحدة ، ووضع خطة عسكرية عربية عامة  للاستعداد العسكري
فالمتأمل لقرارات القمة في شقها الفلسطيني،  يسجل ابتداءً أنها تشكل انقلاباً  جذرياً عن نهج قمتي 1963  و 1964 ، وانقلاباً  جذرياً عن نهج القمم اللاحقة بما فيها قمة 2002 -رغم الملاحظات  السلبية والخطيرة  عليها-  وبقية القمم  العربية ، وبهذا الخصوص نشير في قراءة أولية لقرارات قمة المنامة إلى ما يلي :
1-أنها لم تأت على ذكر المقاومة الإعجازية في قطاع غزة التي هزمت الاحتلال في السابع من أكتوبر 2023 ، ولم تأت على ذكر صمود المقاومة وانتصاراتها المذلة على قوات الاحتلال  على مدى ثمانية شهور ، وكأنها لم تحدث ، لسبب رئيسي  أن معظم   الأنظمة إما متواطئ أو متخاذل، مع بعض الاستثناءات ، ولأنها كشفت عورتها أمام جماهير الأمة.
2- أنها اكتفت في الفقرتين الثالثة والرابعة، اللتان استهلكتا مساحة واسعة من إعلان المنامة بإدانة العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقفه ،وخروج قوات الاحتلال، ورفع الحصار وفتح المعابر، وتمكين منظمات الأمم المتحدة ، ورفض التهجير القسري من كافة أنحاء الأراضي المحتلة، وتوفير الحماية للمدنيين، ووقف إرهاب المستوطنين، والتشديد على قدسية القدس ورفض تهويدها.
وهي بهذا النص تشكل إعادة تكرار لقرارات القمة العربية الإسلامية  التي عقدت في (11) نوفمبر 2023 على نحو : "تدعو وتدين  وتطالب وترفض" ناهيك عن رفضها لتهويد القدس ألخ دون اتخاذ أي إجراء عملي  أو ملموس لوقف العدوان على غزة ،أو رفع الحصار عنها رغم أن بيدها أوراق يمكن استخدامها ،كورقة المعاهدات والتطبيع والنفط  ألخ .
 لكن كيف لك أن تطلب من حليف استراتيجي للكيان وفق  اتفاقيات كامب ديفيد ،ومن وقع   اتفاقات أمنية واستراتيجية مع الكيان الصهيوني  تحت عنوان ( التطبيع الإبراهيمي)  وغيرها من المعاهدات  والاتفاقيات التي اتخذت ذات المنحى، أن ينتصر للمقاومة ومشروعها في التحرير .
3- أن إعلان القمة أكد على ضرورة الإفراج عن ما أسماهم الرهائن الإسرائيليين ، في حين تجاهل آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون   في معتقلات الاحتلال ، ويواجهون أبشع حملة بطش بحقهم منذ حرب يونيو ( حزيران) 1967.
4- تضمن "إعلان المنامة" الدعوة "إلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلى حين تنفيذ حل الدولتين " متجاهلاً  حقيقة أن المقاومة  أعلنت بصريح العبارة  " أنها لن تسمح بدخول أي قوات أجنبية للأراضي الفلسطينية  مهما كان شكلها ولونها ، وستتعامل معها بوصفها قوات احتلال ، ناهيك أن حل  الدولتين في المنظور الاستراتيجي يشكل حلاً خيانياً لاستراتيجية النضال الفلسطيني ، ممثلة بالميثاق الفلسطيني الذي توافق عليه الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه السياسية  .
5- المفارقة الغريبة ، أنه في الوقت الذي   نقلت  فيه المقاومة قضية تحرير فلسطين من زاوية الإمكانية التاريخية إلى زاوية الإمكانية الواقعية  ، وبرهنت بالملموس  أن تحرير فلسطين أمر ممكن  بعكس  ما روج له دعاة الاستسلام  ،  وفي الوقت الذي  يرفع فيه الطلاب في جامعات الولايات المتحدة وبقية الجامعات في عموم الدول الغربية شعار " تحرير فلسطين من النهر  إلى البحر " ، تدعو قمة العربان إلى مؤتمر دولي للسلام بهدف إقامة  حل الدولتين ،  لقطع الطريق على ثوار شعبنا لمواصلة النضال لتحرير فلسطين ، بحيث يصبح كل من يواصل النضال لتحرير فلسطين معتدياً على أراضي الغير !! ناهيك أنهم يخولون لأنفسهم  القبول بتقسيم القدس ." شرقية وغربية " متجاهلين أن القدس بشطريها هي عاصمة فلسطين التاريخية  الممتدة من النهر إلى البحر .
يضاف إلى ما تقدم  ،أن قمة المنامة  أدانت  الدور المشرف الذي تقوم به حكومة صنعاء بقيادة حركة أنصار الله في البحر الأحمر  وبحر العرب والمحيط الهندي ،  نصرةً وإسناداً لغزة من خلال قصف كافة السفن المتوجهة لموانئ فلسطين المحتلة ، وتأكيد صنعاء أنها ستستمر على موقفها حتى يتوقف العدوان على القطاع.
وتجلى هذا الرفض العربي الرسمي في النص التالي :" دان  البيان الختامي للقمة "بشدة التعرض للسفن التجارية بما يهدد حرية الملاحة والتجارة الدولية ومصالح دول العالم وشعوبه"، مؤكدا التمسك بـ"ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وبحر عمان والخليج العربي. 
ولو ضربنا صفحاً عن القرارات سيئة الذكر ، فقد كانت كلمات بعض المشاركين في القمة   تصب في خانة العدو وخدمة أهداف العدوان على قطاع غزة ، وأخص بالذكر كلمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس  التي  جاء فيها " أن العملية العسكرية التي نفذتها حماس بقرار منفرد في ذلك اليوم، في السابع من أكتوبر، وفرّت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات كي تهاجم قطاع غزة وتُمعِن فيه قتلا وتدميرا وتهجيرا" متجاهلاً ( أولاً) أن حماس نفذت هذه العملية في إطار استراتيجية التحرير ، ورداً على عدوان مستمر على الشعب الفلسطيني منذ (75) عاماً ،  وليس في إطار استراتيجية  الاستسلام والتنسيق الأمني و(ثانياً) أنها أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية وللرواية العربية في فلسطين ، وأهالت التراب على السردية الصهيونية الزائفة.
وختاماً أشير إلى أن لهاث معظم أطراف النظام العربي الرسمي وراء حل الدولتين بات مخزياً كون العدو الصهيوني بكل أطيافه يرفض هذا الحل ، ووصلت الأمور وفق بعض التسريبات أن عضو مجلس الحرب الصهيوني " بيني غانتس"، طرح في مؤتمر الصحفي مساء الأحد الماضي استراتيجية "اليوم التالي لوقف الحرب"  بدعم من  بعض العواصم العربية التي زارها وتنص على  "أن يخضع قطاع غزة لحكم ائتلاف عربي أوروبي إسرائيلي  ووفق سيطرة أمنية إسرائيلية بدون حضور لحركة حماس والسلطة الفلسطينية".
لكن فات "بيني غانتس"  ومن يشد على يده  أن يدرك،  أن استراتيجيته  واستراتيجية بقية أطراف اليمين دفنتها فصائل المقاومة الفلسطينية ، من خلال انتصاراتها في كافة محاول القتال وأن قوات الاحتلال هزمت  وتعيش حالة المراوحة في المكان، باعتراف العديد من القيادات العسكرية الصهيونية ووسائل الإعلام  الإسرائيلية .
 فعلى سبيل المثال لا الحصر ، نشير إلى أن اللواء في احتياط "جيش" الاحتلال الإسرائيلي "إسحاق بريك" قال : "أنّ ما يحدث في غزة في الوقت الحالي هو "حرب استنزاف"، محذراً من أنّ إطالتها "ستؤدي إلى انهيار الجيش والاقتصاد في إسرائيل" ، كما قالت "civilpress" المنصّة الإخبارية الإسرائيلية عبر قناتها في "تلغرام" "إنّه بعد 7 أشهر من الحرب ضد قطاع غزّة، وعند الحدود الشمالية مع لبنان يُمكننا القول إنّ "حماس انتصرت في قطاع غزّة عسكرياً وسياسياً، ولا سيما أمام الرأي العام العالمي".
وذهب عضو "الكنيست" الإسرائيلي، "عاميت ليفي"،  إلى أكثر من ذلك بتصريح له  للقناة (14)  الإسرائيلية  جاء فيه" أنّ كل كتائب حماس الـ24 موجودة في غزة، بحيث لم يتم تدمير أي واحدة منها"...وإلى جانب صمود حماس، لا تزال حركة الجهاد الإسلامي موجودة و"كذبوا علينا بأنّه تم القضاء عليها".